مقالات في اللسانيات

الإخراج الفني والطباعي للمعجم، وفريق العمل المعجمي

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

يقصد بالإخراج الطباعي والفني للمعجم الشكل النهائي للعمل المعجمي , والكيفية  التي قدم بها المعجم للمستفيدين منه بما يناسب مستوياتهم وظروفهم وأعمارهم, من ناحية الطباعة والألوان وطريقة الإخراج؛ ورقية كانت أم حاسوبية, إضافة إلى استخدام الوسائل المعينة على الإيضاح, مثل : الصورة, أو وسائل بديلة عن النص المكتوب, مثل: الصوت.

أشكال المعجم:

من الممكن أن يظهر المعجم في عدة أشكال وصور:

أن يقدم بطريقة تقليدية في شكل معجم ورقي مطبوع.
أن يقدم في صورة حاسوبية إلكترونية, من خلال قرص مضغوط ذي قوة تخزين كبيرة, ومن أمثلة ذلك معجم وبستر, ومعجم أكسفورد للغة الإنجليزية, ومعجم القاموس المحيط للفيروزأبادي.
إصدار المعجم في شكل صوتي من خلال برمجة الحاسوب لتحويل الرموز الكتابية إلى كلام مسموع. وبهذا يمكن أن يجمع المعجم بين الشكلين المقروء والمسموع في وقت واحد, بل يمكن أن يكون الدخول إلى المعلومة من خلال الكلمة المنطوقة, ما يقلل العبء على الباحث من ناحية, وفاقدي البصر من ناحية أخرى.
وقد يجمع بين الأشكال السابقة في معجم واحد.

ويمكن إدماج عدد من المعاجم في معجم واحد عن طريق إتاحة المجال أمام مستخدم المعجم للحصول على المعلومة من خلال مفاتيح متعددة, مثل: المجال الدلالي, أو جذر الكلمة, أو جذعها, أو شكلها الكتابي, أو وزنها, أو مرادفها . كما يمكن في هذا المعجم دمج طرق الترتيب المختلفة للمعاجم العربية (ترتيب الصوتي –ترتيب ألفبائي على الأوائل بتجريد الكلمة أو بدون تجريد …) ما يسمح لمستخدم المعجم بالحصول على المعلومة التي يريدها من خلال أي مفتاح من هذه المفاتيح.

استخدام الصور والرسوم في المعجم:

3-المعاجم الغربية:

من أهم المعاجم التي تستحق التقديم للقارئ العربي محاكاتها في الإخراج المعجمي معجما لونجمان وكولنز بالاشتراك مع جامعة برمنجهام, وهما نموذجان حديثان ظهرا للقارئ خلال الأعوام الأخيرة, وتم إنجاز كل منهما من خلال قاعدة بيانات ضخمة.

ودار لونجمان تاريخها طويل في صناعة المعاجم, وقد أنجزت عددًا كبيرًا منها بأحجام مختلفة, ,ولأغراض متعددة, وأهم المعاجم التي قدمتها هذه الدار معجم اللغة الإنجليزية المعاصرة, حيث تتميز طبعته الثالثة بتضخم حجمها بالنسبة للطبعات السابقة, واشتمالها على ثمانين ألف كلمة وعبارة, إضافة إلى توسيع حجم قاعدة البيانات التي وضعت تحت يد فريق العمل مقارنة بقاعدة البيانات القديمة, إضافة إلى أنها ثمرة تعاون بين مؤسسة لونجمان ومؤسسات أخرى مثل: مطبعة جامعة أكسفورد, وخدمات الحاسوب لجامعة أكسفورد, ووحدة جامعة لانكستر لأبحاث الحاسوب, والمكتبة البريطانية, ومجلس الأبحاث العلمية والهندسية. وتلقى دعمًا ماليًا, ومنحًا بحثية من جهات متعددة مثل : الأكاديمية البريطانية, والمكتبة البريطانية, وقسم التجارة والصناعة, ومجلس الأبحاث العلمية والهندسية, إضافة إلى اشتمال فريق العمل على شتى أنواع التخصصات العلمية واللغوية والحاسوبية,وقدم هذا المعجم صورة م مقروءة آليًا لهذا المعجم, أصبحت بعد ذلك نموذجًا يحتذى لصناعة المعجم الحاسوبي.

وأما دار كولنز فقد أنتجت بالاشتراك مع جامعة برمنجهام سلسلة من المعاجم أبرزها معجم متوسط الحجم يقع في أكثر من 1700 مقسمة على عمودين, وبعدد أسطر يتجاوز الثمانين سطرًا في كل عمود,ويتميز هذا المعجم باستخدام التقنية الحاسوبية المتقدمة في إخراجه, حيث تم بمقتضاها مسح لغوي مكثف للمادة المكتوبة والمسموعة تمثل الإنجليزية المعاصرة أصدق تمثيل, وتتجاوز في حجمها ملايين الكلمات والأمثلة والشواهد. وقد اشتغل على إنجاز المعجم أعضاء قسم اللغة الإنجليزية بجامعة برمنجهام, وفريق محدود من العاملين والمستشارين.المهم في إخراج هذا المعجم , إضافة إلى ما ذكر أنه خصص عمودًا إضافيًا لإعطاء بعض البيانات الصرفية أو التركيبية أو الدلالية , مثل استخدام الرمز Ó للإشارة إلى أن ما يرد بعده يحمل معنى أعم من لفظ المدخل, مثل السيارة والمركبة, والرمز = للإشارة إلى الترادف, والرمز # للإشارة إلى التضاد.والهدف من تخصيص العمود ترك سياق النص الأصلي يتدفق في سهولة ويسر واتصال.وأنتج معجم أخر صغير يقع في 960 صفحة, مقسمة إلى عمودين, وبعدد أسطر يتجاوز خمسة وسبعين سطرًا في كل عمود, وهو مشابه للمعجم السابق , ويزيد عليه في تزويده ببعض الصور والرسوم التوضيحية, وملخصات لقواعد النحو الأساسية, إضافة إلى بعض الأسئلة في أسفل الصفحات اليسرى لشحذ الذهن وإثارة التفكير.

4-فريق العمل المعجمي:

لا يمكن الآن, وفي ظل التقدم الهائل في صناعة المعجم, ومع تضخم حجم المادة التي يتم التعامل معها نتيجة اتساع مجالات اللغة, وتعدد استخداماتها العلمية والفنية, لا يمكن الآن أن نتصور إنجاز معجم ما في أي لغة من لغات العالم بجهد فردي أو أفرادي.

إن إخراج المعجم في القديم كان يعتمد على لغة الشعر والأدب, وهي لغة يمكن للمعجمي أو اللغوي أن يدعي معرفته بها, ولكن إخراج معجم في الحديث يعتمد على لغة العلوم والآداب والمعارف المختلفة لا يمكن لباحث واحد, أو مجموعة من الباحثين المتحدي الثقافة الإلمام بها, فضلا عن الإفتاء فيها ؛ بل هو عمل يحتاج إلى تضافر جهود فردية ومؤسساتية منظمة؛ليخرج إلى مستخدمه بصورة متميزة.

أ‌- إعداد فريق العمل:

إذا كان توفير الدعم المالي اللازم للمعجم إحدى الصعوبات التي قد تعوق العمل, فإن إعداد فريق العمل وتدريبه يشكل صعوبة أخرى لا تقل عن الصعوبة الأولى إن لم تزد عليها.

وحتى وقت قريب لم يكن هناك من سبيل لإعداد فريق العمل سوى طريقة المحاولة والخطأ, أو من خلال ملازمة أعضاء الفريق لخبراء معجميين كمساعدين لهم, وكان إعداد الفريق يتطلب جهدًا ووقتًا كبيرين, وتتحمل أعباءه وتكاليفه المؤسسة التي تعتزم إصدار المعجم.

أما الآن, فقد تغير الوضع, وصارت هناك برامج متخصصة لتخريج المعجميين المطلوبين, منها:

مقررات وقتية تقدم من حين لآخر بواسطة خبراء المعاجم.
برامج تعليمية للمبتدئين تتضمن تدريبًا أكاديميًا في المهارات والأسس, ونظريات العمل المعجمي, والأهداف التي يقوم بها.
تطور الأمر في الولايات المتحدة منذ زمن بعيد من خلال تخصص في المعاجم ضمن برامج الماجستير الإنجليزية قدمته جامعة إنديانا, وأنشئ عام 1984 مركز للدراسات المعجمية في جامعة إكستر, وأصبح متاحًا للباحث منذ عام 1991 أن يحصل على دراسات عليا معجمية مكونة من ثلاثة فصول دراسية للحصول على الدبلوم الأوربية في المعجمية.

وفي الحقيقة , فإن الوضع المثالي أن يتضمن فريق العمل المعجمي أفرادًا متنوعي المسؤولية, متعددي الاختصاص حسب ما يتطلبه سير العمل, وما تقتضيه كل خطوة من خطوات العمل في المعجم, وحسب طريقة تجهيز المعجم, يدويًا أو آليًا، وقد كثر الجدل حول نوع فريق العمل وهل يكون متفرغا رغم التكلفة الزائدة أو عاملا على الرغم من بط الإنجاز في العمل ، إلا أنه من الأفضل الاقتصار على فريق عمل صغير متفرغ مع الاستعانة بعاملين خارجيين لبعض الوقت .

ومن أهم الاختصاصات المطلوبة في هذا المجال:

إدارة العمل ومتابعته.
التخطيط للعمل ووضع جدول زمني.
جمع المادة لقاعدة البيانات.
إعداد التعريفات.
تحرير المادة وتوثيقها, مع إعداد خاص لكل عملية على حدة: نطق, هجاء, تصريف, تأصيل اشتقاقي…, و تحتها مستويات متعددة منها: رئيس التحرير, مدير التحرير, محرر, مساعد محرر.
تحليل الجمل والنصوص.
اختيار الأمثلة والشواهد.
إعداد البرامج الأساسية.
إدخال البيانات. التصميم الفني.
إعداد المادة الموسوعية ومراجعتها.
مراجعة الطباعة.

ولكل اختصاص من هذه الاختصاصات مواصفات معينة وأعباء محددة, فعلى سبيل المثال:

لابد للمعرف الجيد أن يمتلك القدرة على الكتابة والتعبير بسلاسة وطلاقة, والمعرفة الجيدة بلغته, والحساسية اللغوية, والعقل التحليلي الذي يمكنه من القيام بالعمليات التصنيفية والتنظيمية.
ولا بد لرئيس التحرير أن يتحمل المسؤولية في إنتاج المعجم في الوقت المحدد, وبالميزانية المتفق عليها. وهو الذي يختار مستشاري السياسات, ويأخذ دورًا رئيسيًا في المناقشات لبلورة الاتجاهات. وهو مسؤول عن مستوى العمل, وعن مراجعة قدر من المواد بقدر ما يسمح به الوقت. ويمتد ليشمل المتابعة الخارجية والداخلية معًا.
ومدير التحرير فيقوم بتوزيع الأدوار, ومراقبة الجودة, وتدريب المعرفين الجدد, وعمل الإحصاءات المطلوبة. وإذا كان العمل محوسبًا تكون له اليد الطولى في إعداد برامج معالجة المادة. وهو كذلك مسؤول عن المتابعة اليومية الداخلية للعاملين, وعن متابعة التطبيق الموحد من البداية إلى النهاية.
وأما المخطط للمعجم فيملك سلطة اتخاذ القرار, وينبغي أن يكون معدًا إعدادًا معجميًا خاصًا. إنه يجب أن يكون على علم بالمشكلات التي يعالجها, وما هي الاختيارات المتاحة له, وكيف يزنها؟ إنه يجب أن يكون ذا خلفية معرفية متميزة سواء في جانب التطبيق أو النظرية, أو المنهج.
أما المحرر فيتولى الصياغة الأولى للمادة, ويقوم بعدها المحرر الرئيسي بالتدقيق وإعادة الصياغة مستخدمًا ما يراه مناسبًا من التعريف الأولي, ويشترط قدرته على تحليل معاني الكلمات, واستنباط الدلالات غير الموجودة في المعجم, والتعرف على المعنى الأساسي, والملامح الدلالية الأساسية

ب-إعداد فريق عمل المعاجم في الغرب:

سلم الغرب منذ فترة طويلة بأنه لا يمكن في ظل تضخم حجم المادة بأنه لا يمكن إنجاز أي معجم في أي لغة بجهد فردي,وذلك قبل معرفة الحواسيب, واستخدام تقنيات حديثة.ولعل هذه الأمر جعل المعاجم الغربية سريعة الإنجاز,ومن أمثلة ذلك معجم لونجمان للإنجليزية المعاصرة الذي أشرنا إليه سابقًا, حيث اشترك في إخراجه عدد كبير مكون من:

مدير عام-مدير التحرير- محرر مسؤول- معجميين- محللين تكرار الاستخدام- ملاحظين للاستخدامات اللغوية- محررين أوائل- محللين نطق- معرفين للكلمات- لغويين حاسوبيين- مخرج- مصمم- مختص بالرسوم التوضيحية…

وقد تنافست الدول الغربية في تأهيل المعجميين لإعطائهم الخبرة في هذا المجال وقد تبين في تقديرات تمت قبل أكثر من عشرين سنة ما يلي :

حيث يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 300 معجمي منهم 150 يعملون محررين متفرغين في دور النشر أو في مشروعات معجمية جامعية ، كما أن هناك نحو مئة يعملون في إنتاج قوائم مصطلحات متخصصة ، كما أن هناك من يعمل في شركات الحاسب الآلي والترجمة .

كما يوجد في بريطانيا في تلك الفترة حوالي 70 أو 80 من المشتغلين بالمعاجم .

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى