مقالات في اللسانيات

اختيار الوحدات المعجمية

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

يحتاج اختيار الوحدات المعجمية، ووضع قوائم بالكلمات الرئيسة التي ستشكل مداخل المعجم يحتاج إلى اتخاذ جملة قرارات قبل بدء العمل في المعجم أهمها:

أ- إعداد بيان تقديري بعدد المداخل أو المواد في الحرف الواحد.

ب- وضع قاعدة للتعامل مع الكلمات متعددة المعاني.

جـ- اتخاذ قرار بشأن الكلمات غير المشيرة إلى شيء خارجي.

د- اختار منهج للتعامل مع الكلمات المركبة وتجمعات الكلمات.

أ- تقدير عدد المداخل:

يكتسب تقدير عدد المداخل في المعجم المقترح، وإعداد بيان تقريبي بها أهمية خاصة مما يأتي:

1- مساعدته في إمكانية تحديد حجم المعجم المطلوب عن طريق إعطاء حصة محددة لكل حرف هجائي حتى يمكن عمل توازن في المادة أثناء الجمع والاختيار.

2- الاستعانة به عند تحديد حجم كل من المادة الموسوعية والمادة المصطلحية في المعجم.

ب- الكلمات المتعددة المعنى:

لم تجد المعاجم العربية القديمة أي مشكلة في التعامل مع الكلمات المتعددة المعنى؛ إذ وضعت كلا منها تحت جذر واحد سواء وُجدت علاقة دلالية بين معانيها أو لم توجد.

أما المعاجم الأوربية وبعض المعاجم العربية الحديثة فقد ميزت بين نوعين منها:

1- ما توجد فيه علاقة بين المعاني، ويسمى ” بوليزيمي ” أو ” لفظ واحد === معان متعددة ” وهذا النوع يوضع تحت جذر واحد، مثل ” عين ” بمعنى العين الباصرة، وبمعنى الجاسوس.

2- ما لا توجد فيه علاقة بين المعاني، ويسمى ” هومونومي ” أو ” أكثر من لفظ === أكثر من معنى ” وهذا النوع يوضع تحت عدد من الجذور بعدد معانيه المستقلة، مثل ” خال ” بمعنى أخ الأم، وبمعنى الشامة في الوجه.

وأي معجمي الآن حينما يخطط لعمل معجم لابد أن يحسم أملا مشكلة التعامل مع الكلمات متعددة المعاني، وهذه المشكلة التي يصادفها المعجمي ليست تعداد معاني الكلمة، وإنما الحكم ما إذا كانت هناك علاقة بين المعاني ( بوليزيمي ) أو لم تكن هناك علاقة ( هومونيمي ) إذ يترتب على هذا الحكم وضع الدلالات تحت جذر واحد في الأول، وتحت عدد من الجذور في الثاني.

إذن فالمشكلة في كيفية الفصل أو التمييز بين النوعين، وفي تحكيم معيار أو معايير معينة للقيام بهذا الفصل. فما هو هذا المعيار أو هذه المعايير؟

على الرغم من تباين وجهات النظر في هذه المعايير، فإنه يمكننا أن نلخص الآراء فيها فيما يأتي:

1- الرأي الذي يميل إلى أخذ جانب البوليزيمي ومحاولة التماس صلة بين المعاني التي تبدو متباعدة. مثل العين الباصرة العين بمعنى الجاسوس.

2- واقترح أولمان استخدام معياري الأصل الاشتقاقي والهجاء. فإذا كان الهجاء مختلفا، أو الأصل التاريخي للمعنيين مختلفا فاللفظان من الهومونيمي.

3- واقترح بعضهم استخدام نظرية الحقل الدلالي لتمييز كلمات النوعين فكلمة “orange” بمعنى ” برتقال وبرتقالي ” توضع في مدخلين مختلفين؛ لأن الأول في حقل الألوان والآخر في الفاكهة.

4- إذا اختلف قسم الكلام ( اسم ، فعل …) فهما في مدخلين مختلفين.

5- هذا المعيار ينظر إلى أطقم التصاحبات اللفظية، ومدى اختلافها مع اللفظ الواحد، مثل كلمة “بلدي” التي إذا جاءت في سياق لغوي مع كلمة ” سمن ” تعني ثمين وغالي، وإذا جاءت مع كلمة ” رجل ” تعني عكس حضاري.

6- ويقترح Chapin  الرجوع إلى لغات أخرى ومقارنتها ليتميز البوليزيمي من الهومونيمي. ولو طبقنا منهجه لاعتبرنا كلمة Uncle من الهومونيمي لأنها تعبر عن شيء يعبر عنه في لغة أخرى كالعربية بلفظين مختلفين هما: عم وخال.

7-  يرى Katz أنه من خلال عدّ المكونات الدلالية التي يتقاسمها عنصران يمكن الحكم بتماثل المعنيين أو عدم تماثلهما، وعلى سبيل المثال:

اللفظ الثنائي المعنى التماثل باعتبار
النطق قسم الكلام التصريف الأصل الاشتقاقي المعنى الأساسي
1
سائل
من سال
من سأل
+ + +
2
العين
الباصرة
الجاسوس
+ + + + +

ويرى Katz أنه لا يوجد خط فاصل بين الهومونيمي والبوليزيمي، وإنما هي درجات من المشابهة تزيد وتنقصز

وعيب هذه الطريقة أنها تساوي بين كل المكونات الدلالية وتجعلها ذات وزن واحد، في حين أنها ليست كذلك.

8- وهناك رأي يستخدم المعيار البراجماتي ويؤسس حكمه على المجال أو موضوع الاستعمال، ومثال ذلك كلمة “قاعدة” التي تأتي بعدة معان:

– مكان للتزود والإيواء في الجيش ( قاعدة عسكرية، بحرية، جوية )

– أمر كلي ينطبق على جزئيات ( قاعدة قانونية أو نحوية )

– أساس في الهندسة المعمارية ( قاعدة للبناء )

9- هناك من يستخدم معيار التشابه بين المعنيين أو عدم التشابه. فما تشابه فيه المعنيان فهو من البوليزيمي، وما لم يتشابه فهو من الهومونيمي. وهذا المعيار يعتمد على الحكم الذاتي لابن اللغة.

10- وهناك معيار آخر يصلح لنوع معين من الكلمات، هو معيار التصريف أو الاشتقاق، فهناك كلمات قد يظن تطابقها، وهي في الحقيقة صيغ مختلفة تنتمي إلى جذور مختلفة، مثل: الفعل “ضاع” === ماضي “يضيع” و “يضوع”.

     وقد اختلفت المعاجم الإنجليزية بقدر اختلاف وجهات النظر في الحكم على النوعين من ناحية، ومقدار الصعوبة في الفصل بينهما من ناحية أخرى. وينصح المعجميون -بالنسبة لمعاجم الصغار- بوضع المعنيين -مهما اختلفا- تحت مدخل واحد بقصد التيسير والتبسيط، ولأن تقديم فكرة الهومونيمي للصغار تبدو غير ملائمة لسنهم.

جـ- الكلمات غير المشيرة إلى شيء خارجي:

يطلق هذا المصطلح على الكلمات الوظيفية التي لا تشير إلى شيء موجود بالخارج، مثل “لا” و “لكن” و “أو” وحروف الجر والربط وكثير من الأدوات. هذه الكلمات لها معنى يفهمه السامع والمتكلم، ولكن الشيء الذي تدل عليه لا يمكن التعرف عليه في العالم المادي.

وهذا النوع من الكلمات يصعب تعريفه عن طريق العبارة الشارحة، أو التعريف الحقيقي، ولذا ينبغي أن تجد المعاجم وسيلة أخرى للتعامل معه، وقد وجدت معظم المعاجم هذه الوسيلة في بيان وظيفة الكلمة، وإعطاء أمثلة توضيحية لها.

د- الكلمات المركبة وتجمعات الكلمات:

     لا تمثل الكلمات المركبة والمنحوتة أي مشكلة معجمية في اللغة العربية، ففضلا عن قلتها فإنها عادة ما ينظر إليها على أنها كلمة واحدة توضع تحت شكلها النهائي بعد التركيب أو النحت.

     أمَّا تجمعات الكلمات التي تؤلف تعبيرات سياقية أو تصاحبات لفظية، فمشكلتها في المعجم تتمثل في عدم الاتفاق على مكان وضعها، وهل توضع باعتبارها وحدة واحدة، أو توضع تحت أحد مكوناتها؟ وأي مكون أولى بأن توضع تحته؟

فالمعاجم العربية القديمة والحديثة – إلا ما ندر من الأخيرة – تضع هذا النوع من الأمثلة التوضيحية، ولا تخصه بمعاملة خاصة. أما القليل من المعاجم العربية الحديثة، فتضع هذا النوع من التعبيرات بعد علامة مميزة، وقد تكون خطاً راسيا أسود، وقد تكون دائرة سوداء مغلقة، وتخصص له مكانا آخر الفقرة أو آخر المدخل.

وتختلف المعاجم بعد هذا في اختيار اللفظ الذي يوضع تحته التعبير ذو الوحدات المتعددة، إلى أربعة اتجاهات. 1- توضع تحت الكلمة الأولى. 2- توضع تحت أسبق الكلمتين في ترتيب المعجم. 3- أو تحت أبرز الكلمتين. 4- أو تحت كلتا الكلمتين مع الربط بين الموقعين ( وبما كان هذا الاتجاه أفضلها )

 5- ترتيب المداخل:

هناك نوعان من الترتيب يجب أن يراعيهما المعجم وهما:

1- الترتيب الخارجي للمداخل وهو عادة ما يسمى بالتركيب الأكبر. ويتم باتباع طريقة من طرق الترتيب المعروفة. وهذا النوع من الترتيب يُعد شرطاً لوجود المعجم، وبدونه يفقد العمل قيمته المرجعية. ولا يوجد معجم عربي أو أجنبي، قديم أو حديث قد أهمل هذا النوع من الترتيب.

2- الترتيب الداخلي للمداخل، وهو عادة ما يسمى بالتركيب الأصغر، ويعنى به ترتيب المعلومات في المدخل.

وهذا النوع من الترتيب لم يكن ملتزما في المعاجم العربية القديمة، ولكنه صار ملتزما بنسب متفاوته في المعاجم الحديثة جميعها، ولعل أفضلها في ذلك المعجم العربي الأساسي.

نموذج للترتيب الداخلي:

1- نموذج الجذاذة:

أ- يكتب الجذر بحروف منفصلة في وسط السطر أعلى الجذاذة مرة واحدة، وتحته توضع قائمة بجميع مداخله مرتبة حسب المنهجية المتبعة.

ب- يُكتب لفظ المدخل في أول الجذاذة على اليمين بلون أسود ثقيل، أو يوضع تحته خط.

جـ- تأتي المعلومات الصرفية بعد كلمة المدخل مباشرة، تليها المعلومات الدلالية في ثلاث مجموعات تتوالى على النحو التالي: (المعاني العامة) (المعاني الخاصة) (معاني التعبيرات السياقية)

د- تسلسل المعاني العامة في أرقام تبدأ من رقم (1) يليها في التسلسل الرقمي المعاني الخاصة. أما معاني التعبيرات السياقية فلا تُرقم، ولكن يوضع قبلها ولمرة واحدة دائرة صغيرة مغلقة هكذا: l وحين تتعدد التعبيرات السياقية في المدخل الواحد تُساق حسب الترتيب الهجائي لأولى كلماتها. على أن يراعى ما يأتي:

1- البدء بالمعاني العامة مع البدء بالأشهر ثم الأقل شهرة في الاستعمال العام، يستوي في هذا النموذج الفعلي والاسمي.

2- استخدام أساس آخر إضافي بالنسبة للأفعال وهو ترتيب الأفعال في داخل الرقم الواحد بحسب التعدي واللزوم على النحو التالي: البدء باللازم فالمتعدي بنفسه فالمتعدي بحرف الجر.

وليس هناك ضابط صارم لتحديد المعنى الأشهر أو الأكثر شيوعا داخل المعنى العام، وإنما يلجأ في ذلك إلى حس الكاتب اللغوي.

 2- ترتيب مادة المعجم:

1)- ترتيب مادة المعجم ترتيبا خارجيا على حسب الترتيب الهجائي باعتبار جذور الكلمات

2)- ترتيب كل مادة ترتيبا داخليا حسب النظام التالي:

أ- تبدأ كل مادة بالأفعال تتلوها الأسماء.

ب- ترتب الأفعال على النحو التالي:

* الأفعال المجردة حسب حركة العين

* الثلاثية المزيدة حسب أحرف الزيادة من ناحية، ثم حسب الترتيب الهجائي لحروف الكلمة داخل كل نوع.

* الأفعال الرباعية المجردة .

* الأفعال الرباعية المزيدة.

3)- ترتيب الأسماء ترتيبا هجائيا دون اعتبار لحرف أصلي أو مزيد.

4)- يستخدم نظام الإحالة للكلمات التي قد يشتبه أصلها، مع وضع المعلومات دائما تحت المدخل الصحيح، وكذلك لكلمات الملحق بالرباعي، فتُوضع كلمة “بيطر” في “بطر” ويحال على “بيطر”. كما يستخدم نظام الإحالة بالنسبة للكلمات التي يتعدد رسمها مثل: موسيقى/موسيقى. ويستخدم أيضا بالنسبة للكلمات المعربة والأعجمية التي قد يُظن اشتمالها على بعض الأحرف الزائدة، فتوضع كلمة “إنجيل” في “نجل” ويحال على “إنجيل” .

5)- توضع الألف بعد الهمزة في الترتيب الهجائي.

6)- تعامل الهمزة بطريقة واحدة عند الترتيب مهما كانت طريقة كتابتها.

7)- يعتبر الحرف المضعف بحرفين.

8)- الكلمات المعربة والأعجمية توضع تحت حروفها دون تطبيق قواعد اللغة العربية عليها من حيث التجرد والزيادة.

9)- الألفاظ الأعجمية التي لم يتم إخضاعها للنظام الصوتي العربي تكتب مؤقتا بحروف لاتينية بعد كتابتها بحروف عربية.

10)- الألفاظ المعربة التي تم التصرف فيها بالاشتقاق أو نحوه تعامل أفرادها على أنها أسرة واحدة، وتوضع تحت جذر واحد.

11)- حين تتعدد الجموع ويختلف المعنى لكل جمع يجب تعدد المداخل حسب المعاني المتعددة.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى