بحوث في اللسانيات الحاسوبية

واقع اللغة العربية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي: دراسة وصفية تطبيقية

د. محمد إسماعيل العمايرة

ملخص

تدرس هذه الورقة علاقة الذكاء الاصطناعي بدراسة اللغة وتمثيل المعرفة الأساسية التي تدعم عملية الفهم.  فالذكاء يعتمد على القدرة على استخدام كميات كبيرة من أنواع المعرفة المتنوعة بطرق إجرائية، بدلاً من امتلاك بعض المبادئ العامة والموحدة. وتسلط هذه الورقة الضوء أيضًا على خيط موحد لمجموعة متنوعة من الأساليب الحديثة لفهم اللغة الطبيعية. والقسم الثاني من الورقة البحثية هو دراسة على بعض التطبيقات التي تُبين لنا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون له تأثير جذري على تعليم اللغة العربية، والكتابة بالعربية، والكتابة بالأصوات العربية من خلال تناول نماذج لتطبيقات تدعم خدمة اللغة العربية.

وترتبط المشكلات التي تمت مناقشتها في هذه الورقة البحثية والحلول المقدمة ارتباطًا وثيقًا بالمشكلة الأكثر عمومية حول كيفية الاستجابة لمدخلات اللغة الطبيعية التي تتجاوز نموذج الكمبيوتر للغة أو السياق.

كلمات مفتاحية: اللسانيات التطبيقية، الذكاء الاصطناعي، اللغة العربية.

المقدمة

     بات التطرق إلى قضية اللغة العربية والذكاء الاصطناعي أمرا ملحا لا مفر منه، فخلال السنوات الخمس الأخيرة شهد العالم تطورا كبيرا في تنامي استخدام وتطوير التكنولوجيا، الأمر الذي أثر على جميع مناحي الحياة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها الكثير، ومما لا شك فيه أن اللغة العربية وسط هذا المد التكنولوجي الكبير سيكون لها نصيب من التأثر، وصار لزاما تسليط الضوء على قضية وجود اللغة العربية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وكيف لنا استغلال تطبيقاته في خدمتها وفي نشرها.

      كثيرة هي الدراسات المندرجة تحت مصطلح حوسبة اللغة أو اللسانيات الحاسوبية، لكن سرعة التطور التكنولوجي الهائلة تفرض على اللغويين التعرف إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة، مثل “تشات جي بي تي”Chat GPT وروبوت شركة مايكروسوفت في متصفحها Bing وغيرها من الشركات التي تتصارع فيما بينها، أيضا تفرض على اللغويين الخروج من قوقعة الدراسات اللسانية الحاسوبية التقليدية إلى سبر أغوار الذكاء الاصطناعي AI، وكيف نستفيد منه في خدمة اللغة العربية.

      فاللسانيات الحاسوبية تدرس التطبيقات والبرمجيات التي تستعمل خوارزميات باستخدام اللغة أو لحل قضايا لغوية، وتهدف هذه البرمجيات والأدوات التكنولوجية التي تعتمد على خوارزميّات الذكاء الاصطناعي إلى جعْل ما في النصّ واضحاً للأداة التكنولوجية دون غموض، وهذا يقوم على تجارب كثيرة على نصوص متعددة، فتستفيد التكنولوجيا من هذه التجارب وتتجاوز الأخطاء الحاصلة سابقا، فالغموض اللّغوي أحد أهم الأشكال الأساسيّة في اللّغة؛ لأنه يمكننا من القيام بمجموعة من العلاقات التواصلية المتفرعة والمتباين، ويوسع من التعابير والتراكيب والمعاني اللغوية المستخدمة.

    وتبحث هذه الورقة في واقع اللغة العربية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمشاكل التي تواجه المستخدم لها، للوصول إلى الهدف وهو معرفة مدى خدمة هذه التطبيقات للغة العربية، أيضا تهدف إلى تقديم تصور عن واقع اللغة العربية من خلال دراسة تطبيقية تحليلية على بعض التطبيقات والأدوات التي تكون اللغة العربية هي المادة الأساسية فيها.

    واتُبع في هذه الورقة البحثية المنهج الوصفي التطبيقي؛ للوقوف على واقع اللغة العربية في الذكاء الاصطناعي،  من خلال البحث في ثلاثة تطبيقات منتشرة، ولها استخدام في حياتنا اليومية، وهي منصة (برافو برافو) منصة تعليمية للأطفال مستخدمة في مئات المدارس سواء في الخليج العربي وفي بعض بلاد الشام. وتطبيق (قلم) وهو أحد التطبيقات المنبثقة عن شركة (موضوع) الذي يخدم الكتّاب ودور النشر بشكل أساسي. وأداة (الكتابة بالصوت) من جوجل.

     وأفادت هذه الورقة البحثية من مجموعة من الدراسات العربية والأجنبية التي قدمت معلومات مهمة في هذا المجال، منها: استثمار الذكاء الاصطناعي في تعلم اللغة العربية لمحمد أبو عادل)[1]( أيضا)[2]( وغيرها من المصادر التي أفادت منها بسبب، واختلفت عنها بأسباب.

      لا يمكن فصل ذكاء البشر عالي التطور عن اللغة، فتلعب وسائل الاتصال دورًا مهمًا في تطوير الذكاء الاصطناعي، فالقدرة على التواصل بشكل فعال من خلال اللغة هي مفتاح أساسي للتقدم، ويتيح لنا ذلك نقل المعلومات المهمة بشكل موثوق من جيل إلى جيل، ويتيح لنا التعاون بشكل فعال.

     لا يعد إتقان أجهزة الكمبيوتر للغة مجرد مسألة توصيل الآحاد والأصفار والبيانات بعضها ببعض، وهذه ليست هي الطريقة التي يتعلم بها الناس أيضًا. فالأمر منوط بالتفاعل والسياق والتعلم من الأجيال السابقة، ومن خلال هذه العمليات تتكيف اللغة وتتشكل، فالأطفال يتعلمون اللغة بسرعة كبيرة دون معرفة كل القواعد، فهم كالإسفنج، لكن الآلات مختلفة، ولديها طريقة تفكير مختلفة تمامًا عنا نحن البشر. وهذا الأمر في غاية الأهمية، ومن مثير للاهتمام التحقيق في الشكل الذي ستبدو عليه اللغة إذا كانت تتكيف جيدًا مع كل من البشر والآلات.

     فتطوير اللغة هو عمل استغرقت البشرية وقتًا طويلاً في إنجازه؛ لذلك فهو يمثل تحديًا كبيرًا للذكاء الاصطناعي، والقائمون على تطبيقات الذكاء الاصطناعي يحاولون اختزال آلاف السنين من التطور اللغوي، وهم يقومون بذلك باستخدام وكلاء التكنولوجيا والكمبيوتر، وهم في الواقع أفراد ، لكل منهم دماغه الخاص ورؤيته المختلفة، فيتواصلون مع الإشارات، مما يولد التفاعل، وهذا هو  الأمر ذاته تمامًا ما يحدث مع اللغة الذي يتغير من خلال تبادل المعلومات.

اللغة العربية والذكاء الاصطناعي AI

     كثيرة هي التحديات اللغوية التي تواجهنا عندما نريد أن نُدخل اللغة العربية إلى هذه الأدوات التكنولوجية الذكية، فعلى سبيل المثال: ظاهرة الإدماج، فهل الواو في  كلمة (وهم) هي واو العطف، أم أنها جزء من الكلمة؟ وكيف تُقرأ هذه الكلمة دون وجود الحركات عليها؟ فقد تُقرأ (وَهَمَّ) أو (وَهْمٌ) أو (وَهُمْ) وغيرها من الأشكال والمعاني المتعددة، أيضا من التحديات فهم المعنى، فلو أن الكلمة ضبطت بالحركات بصورة صحيحة، فهل سنصل إلى المعنى الحقيقي كما في المثل: “سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ”.

     فابن خلدون يؤكد في أكثر من موضع في مقدمته، “أن اللغات كلها ملكات شبيه بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها، بحسب تمام الملكة أو نقصانها، وليس ذلك بالنظر إلى المفردات، وإنما هو بالنظر إلى التراكيب، فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال، بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصودة للسامع، وهذا هو معنى البلاغة. والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال لأن الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة، ثم تتكرر فتكون حالا، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة”)[3](.

والسؤال الذي يُطرح في هذا السياق، هل الفروقات بين ما تستخدمه هذه التطبيقات الذكية والروبوتات الحديثة من نصوص لغوية، وكلمات، ومعان، وما نريده نحن كبشر فروقات قليلة؟

      كلما تقدم الزمن ازدادت أعداد النصوص المحوسبة، بحيث صارت المدخلات الرقمية باللغة العربية كثيرة نستطيع أن نبني عليها ما يسمى بالمدونات النصية، ومع ازدياد أعداد المؤسسات والعاملين في مجال الحوسبة العربية، ومع زيادة سرعة الإنترنت والبرمجيات الحاسوبية، استطاع العاملون في هذا المجال من إخضاع هذه المدونات النصية واستعمالها كبيانات لتنمية خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي بدورها تحسن من نسبة المخرجات اللغوية التكنولوجية. هل وصلنا إلى مرحلة من الرضا؟

      تذهب هذه الورقة إلى أن ثمة اهتماما في بعض الجامعات والمؤسسات العربية لتطوير اللغة العربية على تطبيقات الإنترنت، أيضا ثمة اهتمام عالمي من بعض الدول في تطوير المحتوى العربي على الإنترنت وعلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي من باب مراقبة المحتوى العربية على التكنولوجيا، لكن للأسف هذا التطور لا يلبي مكانة اللغة العربية كخامس لغة عالميا، فالمحتوى المنشور باللغة العربية قليل مقارنة بلغات أخرى، فاللغة العربية احتلت المركز 15 عالميا في نهاية عام 2022. على الرغم من أن مفردات اللغة العربية المتفردة 12 مليون مفردة والتي تعادل 20 ضعف المفردات المتفردة غير المكررة في اللغة الإنجليزية والبالغة 600 ألفا فقط، أي أن أن انتشار العربية  يمثل %0,7 من محتوى الإنترنت و%5.2 من مستخدميها، لمزيد من الأرقام والإحصائيات يمكن الرجوع إلى)[4]( . وهو أحد أهم مواقع الاستضافة ودراسات الإنترنت في العالم.

اللسانيات الحاسوبية

     هناك العديد من التعريفات التي تتناول مفهوم اللسانيات الحاسوبية، فقد عرفها Crystal, David :” هو فرع من الدراسات اللغوية الذي توظف فيه التقنيات والمفاهيم الحسابية، بهدف توضيح المشكلات اللغوية والصوتية.”)[5]( إذن هو علم مرتبط بعلوم اللسانيات، وبعلوم الحاسوب، ولا بد أن يكون المتخصص في هذا المجال على دراية بالعلمين حتى يقدم شيئا جديدا. وقد أشار الدكتور نهاد الموسى في كتابه (العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية) إلى أن ثمة إطارين في هذا العلم: إطار نظري يهتم بالتأصيل والتنظير في كيفية استخدام اللغة، وتتطلب تطبيق أدوات إجرائية، ومعارف دقيقة لعلوم مختلفة على نظام اللغة، وإطار عملي يُعنى بتوظيف الحاسوب بما يحتويه من عمليات حسابية وإحصائية رياضية وخوارزميات دقيقة، وما يميزه من سعة تخزين هائلة وسرعة الانتاج والتنفيد في خدمة اللغة. )[6](

اللسانيات الحاسوبية والمعالجة الآلية للغة

     لعل مصطلح المعالجة الآلية للغة(Automatic processing of language) من المصطلحات الحديثة، المعنية بدراسة اللغة المحكية والمكتوبة، أيضا تتناول القضايا والإشكالات اللسانية والحاسوبية، وبناء نظام معالجة اللغة العربية مهمة معقدة وصعبة، فالمعالجة هي إنشاء نصوص وتراكيب لغوية جديدة تماما مبنية على المدخلات اللغوية السابقة، ويتم ذلك باستخدام تطبيق العلوم اللسانية الحاسوبية على أدوات تكنولوجية وآلات وتطبيقات، وعلينا التمييز عند المعالجة بين وصف المعارف وهي وظيفة اللسانيات، والتعبير في هذه المعارف في نماذج باستخدام تقنيات واستراتيجيات فعالة مستمدة من علوم الحاسوب وهي وظيفة علم اللغة الحاسوبي)[7](

الذكاء الاصطناعي AI

   هناك محاولات ضاربة في التاريخ تناولت قضية الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن نعرفه تعريفا بسيطا: هو ذكاء صممه البشر كي يحاكي الذكاء البشري، كمحاولة ديكارت بتشبيه الحيوان بآلة دون تفكير أو وعي، وبقيت محاولات العلماء والمفكرين في القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين تدور حول فكرة آلة أو أداة تحاكي العقل البشري.

     وقد أشار بروس بروكنان Buchanan  Bruce  إلى أن الذكاء الاصطناعي نتيجة للذكاء البشري مستخدما التقنيات الحاسوبية)[8](

بالنظر إلى هذا التعريف المنشور في عام 2005  نجد أنه تعريف بسيط لا يمثل ما توصل إليه الذكاء الاصطناعي الآن الذي فاقت قدراته حدود العقل البشري في كثير من النواحي، كسرعة الإنجاز ودقته، وهذا كان قبل بضعة سنوات، ولكن في آخر أربع سنوات لم يعد تفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان في السرعة والدقة فحسب، بل امتد إلى قدرته على إنشاء معلومات جديدة تماما من نصوص وصور وتراكيب ومعان جديدة لا تشبه المدخلات والبيانات السابقة، وهذا ما يطلق عليه مصطلح الذكاء الاصطناعي التوليدي(Generative artificial intelligence).

       إذن، يمكننا تعريف مصطلح الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنه: مجموعة  من المعالجات اللغوية الكبيرة  (Large Language Models) تستخدم فيها البيانات النصية، وتدريب الآلة والأدوات التكنولوجية عليها مسبقاً باستخدام خوارزميات ونماذج تعتمد في استخدامها على المحولات Transformers مثل GPT3.5 من شركة (OPEN AI) وLAMBDA من شركة جوجل، وأحدث نموذج لغوي (LLAMA) من شركة (Meta) AI )[9](

اللغة العربية والذكاء الاصطناعي

     مما لا شك فيه، أن اللغة العربية كسائر اللغات استفادت من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وجنت العديد من الثمرات، فهناك تطبيقات وبرمجيات للتصريف اللغوي، وفي العروض، وتحليل النص، وعلم المعجم، على سبيل المثال في علم المعاجم، أنشأ فريق مختص من الباحثين في جامعة النيويورك معجما عربيا(سامر) متدرج في مستويات القراءة باستخدام الذكاء الاصطناعي، يحوي على عشرة ملايين مفردة عربية مأخوذة من نصوص صحفية وأدبية من شتى أنحاء العالم العربي.

       أيضا، نستطيع أن نرى الخدمات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لنا في جميع أوقات حياتنا، ومن أبرز هذه الخدمات ما نراه في مواقع التواصل كالبريد الإلكتروني وغيرها من وسائل التواصل التي يستفيد منها الطلبة، والباحثين)[10]( ومن الأمثلة الملموسة على ذلك، أجهزة الرد الآلي الموجودة في بعض شركات الاتصال التي تستطيع أن تطلب منها بعض الطلبات وترد عليك باللغة العربية الفصحى وغالبا ما تكون سليمة في نطقها للحروف، كذلك الأجهزة المنتشرة في محلات الصرافة، أو في الأسواق الكبيرة التي تقدم خدمات مالية أو بعض الخدمات البريدية باستخدام اللغة العربية، وصرنا نرى بعض الروبوتات المنتشرة في بعض المحلات الكبيرة التي تعمل على قراءة المنتجات باللغة العربية، وخدمات الخرائط وغيرها العديد.

     وعلى صعيد الكتابة باللغة العربية فثمة الكثير من التطبيقات الذكية المنتشرة على الهواتف المحمولة أو على الحواسيب تحول الصوت إلى نص مكتوب، ويمكن الاعتماد عليها بشكل كبير لمدى دقتها، وأما في المعجم فالخدمات الإلكترونية كثيرة، مثل: تعريف المعاني، والبحث عن الاشتقاقات المعجمية، ومن أبرز الأمثلة على استفادة اللغة العربية من ناحية معجمية من التكنولوجيا، معجم الدوحة التاريخي، الذي يقدم للباحثين معاني الكلمات وأول استخدام تاريخي لها، وتطور المعاني، وغيرها العديد من الأمور من خلال معجم إلكتروني غير مطبوع.

        وأما من ناحية صوتية، فقد استفادت العربية من خدمات الذكاء الاصطناعي بضبط الأصوات وترددها، والذبذبة)[11]( أيضا استفادت اللغة العربية كثيرا من منصات التعليم عن بعد، ولا سيما بعد جائحة كورونا، فصار التعليم عن بعد باستخدام هذه المنصات أمرا لا بد منه، كثيرة هي المنصات التي تقدم اختبارات باللغة العربية، وشروحات بأحدث الطرق التربوية، وتراعي التدرج في المستويات، وتغطي جميع مهارات اللغة العربية.

      مما سبق نستنتج أن اللغة العربية استفادت من العديد من التطبيقات والأدوات التكنولوجية الذكية في جميع المستويات: الصرفية والنحوية، والمعجمية، والدلالية، وطرق التدريس، والمستوى الصوتي والفونولوجي…وهذه بوادر طيبة، ولا سيما أن هناك اهتماما عالميا كبيرا بقضية الذكاء الاصطناعي، والاستغناء عن الإنسان في كثير من المجالات والوظائف التي اعتدنا ألا نرى فيها الآلة، وإحلال الذكاء الاصطناعي بجميع أشكاله محل الإنسان، سواء في الطب، وفي العلوم الزراعية، والقضايا البنكية والمصرفية، وحتى في التعليم…وهو سلاح ذو حدين، فمن جهة سيشهد العالم تطورا وأنماط جديدة في آليات العمل، من إبداع وسرعة ودقة وغيرها من الصفات التي قد نفتقر إليها في الوظائف التي يشغلها الإنسان، ومن ناحية أخرى سنشهد تغيرات كبيرة في العلاقات البشرية، ونسب البطالة، وظهور أنماط حياتية جديدة غير مألوفة في الوقت الحالي. فصار لزاما علينا أن نواكب هذا التطور من ناحية لغوية.

     وللوصول إلى هذا التطور المنشود لا بد من العمل كثيرا على إنشاء جيل من الباحثين والطلبة لديهم القدرة والمعرفة الكافيتين للخوض في علم اللسانيات الحاسوبية، وأن تحتوي جامعاتنا العربية على أقسام أو تخصصات تركز على الهندسة اللغوية، لأننا ما زلنا على مسافة بعيدة عن المشاركة الحقيقية في هذا الميدان. ويشير الدكتور خليفة الميساوي إلى أننا إذا أردنا سنوات طويلة ما بين المرحلة المدرسية والجامعية لإعداد طبيب، فمع وجود الذكاء الاصطناعي نستطيع أن نختزل هذه السنوات الطويلة ببضع منها. )[12](

      وهناك العديد من العوائق التي تقف أمام  العالم العربي في مواكبة هذا التطور اللغوي الحاسوبي، التي تحتاج إلى تضافر الجهود المبذولة كل حسب موقعه، وقدرته على التأثير والتغيير:

العائق الأول: انتشار المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية: وقد أشرنا إلى ذلك سابقا، أن نسبة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت لا يتجاوز نسبة 0,7%، وأن ترتيب اللغة العربية مقارنة بباقي اللغات هو 15 انتشارا على الإنترنت في سنة 2022. )[13]( ، فإذا لم يزدد المحتوى العربي وخصوصا المحتوى العلمي، وفي مجال الصناعة والتطور، سوف تتراجع مرتبة اللغة العربية بين لغات العالم في محتواها على الإنترنت. ولا نستطيع أن ننكر أن المستخدم العربي المثقف أو العادي إذا أراد الحصول على محتوى دقيق فيه دراسات جديدة ومفيدة، فإنه يتجه إلى البحث عنه باستخدام اللغات الأجنبية وعلى رأسها الإنجليزية.
العائق الثاني: عدم وجود تخصص يُعنى بالهندسة اللغوية، أو باللسانيات الحاسوبية، فغالبا ما نجد المهتمين في هذا الميدان في عالمنا العربي هم من خريجي أقسام اللغة العربية، الذين لم يدرسوا أي مادة في المرحلة الجامعية الأولى عن البرمجة الحاسوبية وتطبيقاتها اللغوية. فنحن بحاجة ملحة إلى طالب متسلح بالعلوم اللغوية، والعلوم الحاسوبية في الوقت ذاته، وأن يدرس على أيدي أساتذة اللسانيات العربية، وأساتذة قسم علم الحاسوب.
العائق الثالث: عدم وجود جهة مسؤولة عن المحتوى العربي على الإنترنت، فلا يوجد سياسة لغوية واضحة تجمع أقطار العالم العربي، وعلى رأسها المجامع اللغوية العربية، التي لم تبذل الجهد المطلوب في هذا الميدان، فما زالت منشغلة ببعض القضايا التي يجب أن نكون قد تجاوزناها منذ مدة، وعليها أن تجدد في طاقاتها البشرية، وأن تشرك وتستقطب أساتذة من كليات تكنولوجيا المعلومات.

مزايا التطبيقات على الذكاء الاصطناعي

      في السنوات الخمس الأخيرة، ولا سيما مع جائحة كورونا بتنا نرى العديد من المنصات التعليمية، والتطبيقات الهاتفية المعنية بتعليم اللغة العربية، وقد شهدت هذه التطبيقات تحديثات كبيرة زامنت تطور الأدوات التكنولوجية)[14]( ، وهذه التحديثات تتجلى بشمول المهارات اللغوية من استماع، ومحادثة، وقراءة وكتابة، أيضا سريعة في استجابتها، ودقتها عالية، فقلما نرى فيها أخطاء، وصارت العديد من المدارس والمعاهد تعتمد هذه المنصات كرديف ومساعد للمدرس، وفي الحقيقة لها آثار جيدة على تطوير مستوى الطلبة، خصوصا بعد الفاقد التعليمي ضمن مدة جائحة كورونا.

     وتثري هذه التطبيقات عملية التعلم التفاعلي النشط من خلال وجود الألعاب اللغوية، رسومات وأشكال تجذب الطالب، أيضا تساعد في عملية التعلم الذاتي عند بعض الطلبة، فمع وجود هذه التطبيقات تزيد قدرة ومعرفة الطلبة الأقل تحصيلا، وهذا بدوره يؤدي إلى تقليل الفجوة المعرفية بين الطلاب. ومن مزاياها أن تفعل دور العمل الجماعي بين الطلبة، وتخلق جوا من المنافسة بينهم القائمة على المرح والدراسة في الوقت ذاته.
ولها فوائد عديدة أخرى، فعلى الجانب النفسي قد تكون مفيدة للطلبة الذين يعانون من الانطوائية أو الخجل في صفوفهم الدراسية، أو الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فتوفر هذه التطبيقات بيئة ملائمة تساعد هذه الفئات من الطلاب على تحصيل المعلومات التي قد تفوتهم في حصصهم الوجاهية)[15](


تطبيق BravoBravo


    يعد هذا التطبيق من التطبيقات الحديثة في تعليم اللغة العربية للصفوف الأساسية للناطقين بها، وعند تصفح هذا التطبيق نرى أنه أداة تقييم شاملة لبناء بيئة تعاونية قوية بين المتعلمين في المرحلة الأساسية والتحسين المستمر لأدائهم الأكاديمي، فيستطيع المتعلم خوض تجربة تفاعلية من خلال الألعاب اللغوية ذات التصميم الجاذب لهذه الفئة العمرية من 5-10 سنوات، وتحتوي على نظام المكافآت والنقاط التي تخلق روح المنافسة بين الطلبة.
    ويساعد هذا التطبيق المعلمين في الحصول على أدوات تقييم جاهزة، ويمهد الطرق للتباين في التعلم، الأمر الذي يؤدي إلى معرفة نقاط الضعف والقوة عند الطلبة، وفيه أدوات إعداد التقارير الفعالة معتمدة على البيانات المحفوظة؛ لزيادة الكفاءة وتوفير حلول مخصصة. ويحتوي التطبيق على أكثر من مئة ألف سؤال لكل موضوع لكل صف، طبعا مع تعدد أنماط الأسئلة التي تصل إلى أربعين نمطا )[16](  والملاحظ أن هذا التطبيق يراعي الحالة النفسية لدي الطلبة المتعلمين، فهذا الجيل هو جيل التكنولوجيا، جيل اعتاد السرعة في كل شيء، لذلك  راعى الإمكانات العلمية المتناغمة مع سمات هذا العصر)[17](  .

   وقد بدا ذلك واضحا من خلال مدة الدرس التي لا تتجاوز عشر دقائق في أغلب الأوقات، فالدرس سريع مركز يعالج مهارة محددة بطريقة جاذبة وسهلة وانسيابية)[18](

ومن المزايا الملاحظة على هذا التطبيق أنه يسلط الضوء على فكرة واحدة في الموضوع الواحد، ويحاول أن يستخدم أكبر عدد ممكن من المهارات اللغوية في خدمة الفكرة المطروحة، فنرى أسئلة على القراءة والفهم، والنحو، والإملاء، والكتابة كلها تدور حول موضوع واحد، وهذا من شأنه تعزيز المعلومة على صعيد المنهجية.

     أشرنا إلى عدد الأسئلة الكبير الذي جاء متنوعا ما بين أسئلة الاختيار من متعدد، وأكمل الفراغ، والصور، والصوت، والرسم، والسحب والإسقاط، وخط التطابق، وصواب وخطأ وغيرها من الأسئلة والتدريبات المبنية على معايير محددة، بحيث ينتقل الطالب من السؤال الأسهل إلى الأصعب بطريقة انسيابية سهلة تراعي الفروقات الفردية بين الطلبة، ويقدم هذا التطبيق تغذية راجعة للطلبة عن إجاباتهم، فيعرف الطالب ما الخطأ الذي وقع فيه، وما الصواب من خلال فيديو يكون موجودا أسفل السؤال .

    ومما يحسب لهذا التطبيق عن باقي التطبيقات المختصة بتعليم اللغة العربية أنه يمتلك موقعا إلكترونيا على الإنترنت، وهذا يعطي فرصة أفضل وتجربة أسهل ولا سيما للأشخاص الذين يحبون التعامل مع الشاشات كبيرة الحجم، أيضا يدعم استخدام اللغة الإنجليزية في صفحة النظام والتعليمات.

    مما يؤخذ على هذا التطبيق، عدم دعم مهارة الكتابة بشكل كاف، بحيث يكتب تكون هناك تدريبات على الكتابة وتصحيحها بشكل دقيق، وإبراز أهم الأخطاء التي وقع فيها الطالب، كالأخطاء الإملائية في علامات الترقيم، وكتابة الهمزات، والتفريق بين التاء والهاء، أو التاء المربوطة والمبسوطة وغيرها من الأخطاء الشائعة في كتابة الطلبة في هذه المرحلة العمرية، أيضا لا ينمي هذا التطبيق مهارتي الاستماع والمحادثة، وهما مهارتان في غاية الأهمية ولا سيما في المرحلة العمرية الأساسية في المدرسة.

تطبيق قلم  QALAM

     هو أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة المعنية بالتدقيق الآلي ومعالجة النصوص العربية في السياق، والنحو، والإملاء، وعلامات الترقيم، وقواعد اللغة بشكل عام. وهذا التطبيق تابع لشركة (موضوع) المعنية بنشر المحتوى العربي على الإنترنت باستخدام أدوات الذكاء الصناعي للارتقاء بالمحتوى العربي، وتقديم مادة علمية مفيدة للقراء، وكان تطبيق قلم مستخدما في شركة موضوع، أي داخل الشركة المنتجة له بعد ذلك قرروا مشاركته مع الجميع حتى تعم الفائدة)[19]( ، والحقيقة أننا في عالمنا العربي نفتقر إلى مثل هذه التطبيقات المعنية بتدقيق النصوص ليس فقط إملائيا، بل بشكل أشمل.

      ويَدّعي الموقع أن الباحث، ومنشئ المحتوى على الإنترنت- ولا سيما المقالات الطويلة- سيوفر تقريبا 80% من الوقت والجهد المبذولين عند المحررين اللغويين)[20]( إذ يقدم التطبيق خدمات أخرى بالإضافة إلى الخدمات المذكورة سابقا، كالتدقيق المعجمي للنص، وضبط الأسلوب، والحفاظ على الاتساق والانسجام، أيضا تحسين الصياغة وإثرائها، وتشكيل النصوص، وتصحيح الأرقام والتواريخ، كذلك يوفر التطبيق خدمات مكتبية أخرى تخدم اللغة العربية، مثل كاشف الاقتباسات، وضبط الآيات القرآنية وفق الرسم العثماني، وتحديد المحتوى القرآني داخل النصوص، وغيرها من الخدمات المفيدة للوصول إلى نص عربي مكتوب بلغة سليمة، وهذه الخدمات مقدمة مقابل مبلغ مالي سنوي أو شهري مقبول )[21](  تلائم هذا الهدف الرائع  في الارتقاء بالمحتوى العربي على الإنترنت باستخدام اللغة العربية، لأن مثل هذه التطبيقات موجودة منذ وقت في لغات أخرى كاللغة الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية وغيرها.

      ومن باب التأكد مما سبق، تم تطبيق بعض النصوص على منصة قلم؛ لمعرفة مدى دقة وسلامة التدقيق اللغوي، وهذه النصوص مليئة بالأخطاء الإملائية، والصرفية، والنحوية، وفي علامات الترقيم، وفي الأسلوب…أيضا احتوت بعض هذه النصوص على  لغة وأسلوب ركيكين لمعرفة مدى الاستفادة من هذا التطبيق في تقديم مقترحات على مستوى الأسلوب بشكل أفضل. بالإضافة لما سبق احتوت بعض النصوص على آيات قرآنية، وعلى نص شعري قديم.

الملاحظ من هذه الصورة أن التطبيق تعرف على العديد من الأخطاء بوضع خط أسفل الخطأ، وعند وضع المؤشر على الخطأ يظهر لك الصواب المقترح، انظر الجدول التوضيحي الآتي:

الخطأ التصحيح المقترح من تطبيق قلم الصواب كلمات لم يتعرف على الخطأ فيها
العربيه العربية العربية عاملات
هاذه هذه هذه عدم وضع علامات الترقيم
الايام الأيام الأيام عدم تصحيح علامات الترقيم الموجودة في النص
مشكله مشكلة مشكلة ووقد
ظعف ضعف ضعف

اللغه اللغة اللغة

عديده عديدة عديدة

تأثر تؤثر تؤثر

إستخدامها استخدامها استخدامها

واول وأول وأول

هاذا هذا هذه

يتكلموا يتكلم يتكلم

مستخدموها مستخدميها مستخدموها

أيضن أيضا أيضا

الانجليزية الإنجليزية الإنجليزية

المجالاة المجالات المجالات

الحياتيه الحياتية الحياتية

الاعلام الإعلام الإعلام

دعى دعي دعا

اللغويين اللغويون اللغويون

مستخدمون مستخدمي مستخدمي

الفصحا الفصحى الفصحى


      يعكس لنا الجدول السابق طبيعة الأخطاء التي يصححها هذه التطبيق، فيتعرف على أغلب الأخطاء الإملائية كهمزتي الوصل والقطع، أيضا على التاء المربوطة والمبسوطة والهاء ويفرق بينها، كذلك الحال في الألف المقصورة في كلمة (الفصحى) لكنه لم يصحح الخطأ في الفعل(دعى) فبدلا من تصويبه بالألف القائمة وضع حرف الياء(دعي). وثمة بعض الأخطاء المتعلقة بالتذكير والتأنيث، فبدلا أن يصحح باستخدام (هذه) استخدم(هذا). ولم يتعرف التطبيق على الأخطاء الحاصلة في علامات الترقيم، أيضا لم يضع علامات ترقيم جديدة في النص. بالنسبة للأسلوب لم يقدم أية مقترحات لضبطه، وتقديم مقترحات جديدة لجمل أكثر ترابطا باستخدام أدوات الربط على سبيل المثال.

      في هذا النص نرى أن اللغة علمية مضبوطة بشكل جيد، والفكرة تدور حول البنى الصرفية المستخدمة في المعلقات ومدى انتشارها عند القارئ المعاصر، وقد وضع التطبيق خطا تحت كلمة (يخدمه) وصوبها بـ (يقدمه) والتصويب هنا يغير المعنى، فالمقصود من النص أن القارئ العربي يستفيد من الصور الصرفية الموجودة في العربية، وليس ما يقدمه من صور، ووضع خطا باللون الأزرق تحت كلمة (أخرى) لكنه لم يقدم أي مقترح لها، وأخيرا وضع التطبيق خطا تحت علامة الترقيم القوس في السطر الأخير دون تقديم بديل. ولم يقدم التطبيق اقتراحات أخرى على مستوى الأسلوب والسياق.

      في هذا النص الذي يحوي على آية قرآنية، وعلى ثلاثة أبيات شعرية لجميل بن معمر (ت. 701 م) والحطيئة (ت.674م) نلاحظ أن التطبيق تعرف على الآية القرآنية، لكنه اقترح وضع علامة الترقيم الفاصلة بعد كلمة (أمرا)، ولم يتعرف على القوس في الموجود بعد الآية، فقد ظلله بالأحمر دون تصويب، وهذا ينطبق على علامة الترقيم (النقطتان الرأسيتان). وخط التطبيق تحت كلمة (سملق) الموجودة في الأبيات الشعرية مقترحا وضع علامة الاستفهام تماشيا مع حرف الاستفهام (هل) في بداية البيت. والملاحظ كذلك أن النص لم يعاني مع الكلمات القديمة في فهمها، مثل: القواء، سملق.

      لا شك أن الجهد المبذول في إنشاء هذه المنصة المتخصصة في خدمة العربية على مستوى النص المكتوب رائع، ويستحق الثناء والشكر؛ لأنه من الجهود السباقة في استخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة العربية، والارتقاء بمستوى النصوص المكتوبة بالتالي تقديم محتوى يليق بهذه اللغة العظيمة على شبكة الإنترنت. لكن تحتاج هذه المنصة إلى المزيد من العمل، ومن أهم النصائح المقدمة لفريق العمل أن:

– يتم إدخال المزيد من النصوص المكتوبة باللغة العربية الفصحى؛ حتى تتسع كمية المدخلات من الكلمات والتراكيب بالتالي تزيد قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة هذه النصوص.

– يتم إدخال أنماط نحوية متعددة، وتعريف النظام عليها، كتذكير الفعل وتأنيثه، التقديم والتأخير، أنماط الجمل…

– يتم إدخال المزيد من استخدامات علامات الترقيم.

– يتم التوسع في إدخال المزيد من الصيغ الصرفية، والاشتقاقات اللغوية حتى تفهم بشكل يلائم السياق.

– يتم إدخال المزيد من أدوات الربط؛ حتى يستطيع النظام تقديم أساليب متعددة في التعبير عن المعنى.

– ربط الآيات القرآنية والأحدايث النبوية الشريفة بالمنصة، بحيث تقدم للمستخدم توثيقها مباشرة، فمثلا إذا ما ورد حديث في صحيح بخاري تستطيع المنصة توثيق هذا الحديث من صحيح بخاري دون رجوع الكاتب إلى ذلك.

الكتابة الصوتية من جوجل Google Voice Typing

    تعد الكتابة الصوتية أحد أهم وأبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعيAI على اللغات فباتت الشركات العالمية تطور من هذه الميزة لأنها وجدت سوقا كبيرا لها في بعض الدول كالصين واليابان وأمريكا، فكثير من القراء صار يرغب بالاستماع إلى النص المكتوب بصوت مؤلفه، ولا سيما إن كان أحد الكتاب المشهورين، وهذا في الحقيقة يتطلب جهدا كبيرا من الكتاب ودور النشر لتفعيل ذلك، فطورت بعض الشركات التكنولوجية خاصية الاستماع إلى النص بصوت يحاكي صوت المؤلف الحقيقي مع وجود بعض المؤثرات كصورته أو مع فيديو مرئي…

     وتعددت التطبيقات المهتمة بتحويل النص المكتوب إلى مسموع والعكس كذلك، لكن الهدف منها هو الوصول إلى نقل حرفي آلي للمحتوى الصوتي أو المرئي إلى نص مكتوب، وهذا مفيد على مستوى الأفراد والشركات والمؤتمرات وغيرها. ويتعرف البرنامج المستخدم على تقنية من تقنيات الذكاء الاصطناعي تدعى (ML) تتعرف على الأصوات من خلال حفظ عدد هائل من البيانات الصوتية)[22]( ، وتحاول هذه التطبيقات أن تقدم نصا مكتوبا ذا جودة عالية من خلال مقارنة النص المنطوق بقاعدة البيات الكبيرة المستخدمة.

      وهذه التطبيقات تتعامل مع الأصوات كمؤشرات رقمية تقوم بمطابقة الاهتزازات الصوتية مع الأصوات التي تكوّن اللغة البشرية والتي تسمى الصوتيات، وعند تحليل المؤشرات الرقمية إلى وحدات صوتية يأتي هنا دور المكون اللغوي للتطبيق، بحيث يستطيع الذكاء الاصطناعي تحديد الكلمة الملائمة من خلال السياق العام، على سبيل المثال: في اللغة الإنجليزية تتشابه الكلمتان الآتيتان(No,Know) نطقا، فمن خلال السياق العام يستطيع التطبيق معرفة الكلمة الأنسب. فيحلل المكون اللغوي الكلمات وعلاقاتها ببعضها لتخمين المفردة التي من المتوقع أن تلي ذلك. ثم يحول تسلسل الوحدات الصوتية إلى كلمات وجمل وتراكيب تؤدي معنىً للبشر.

       وفيما يلي تجربة لبرنامج الكتابة الصوتية من جوجل، والذي يقوم على تحويل الكلام إلى نص كتابي، وطُبقت التجربة على آخر إصدار محدث، وقرئ النص مرتين من شخصين مختلفين بصوت واضح متوسط السرعة وفق تعليمات البرنامج، والسبب في اختيار شخصين للتأكد من سلامة النطق وصحته، وقد كانت النتائج متشابهة بنسبة عالية جدا، وسنضع النص الأصلي ثم صورة توضح الكتابة التي قام بها البرنامج ثم صورة أخرى تظهر تصويب الأخطاء المقترحة من البرنامج ذاته.

     الملاحظ من التجربة الأولى أن التطبيق فهم كل الكلمات التي قرأت له، باستثناء كلمة (إبداعيته) التي كتبها (إبداعاته) أما بقاي الكلمات فكانت صحيحة. أما من ناحية الأخطاء اللغوية فالتطبيق أخفق في الصورة الأولى في كتابة الكلمات بصورة صحيحة، فنرى أخطاء في كتابة الهمزات ولا سيما همزتي القطع والوصل، والتفريق بين التاء والهاء، أيضا لم تراع علامات الترقيم، فحتى لو نطقت كلمة (فاصلة) فإنه سيكتبها كما هي فاصلة ولن يضع علامتها(،).

      لكنه وضع خطا بالأحمر تحت الكلمات التي يتوقع أنها كتبت بصورة خاطئة، وعند تصويبها في الصورة الثانية يتضح لنا أنه عالج كثيرا من المشاكل، مثل الهمزات، لكن هناك بعض الكلمات التي لم يتعرف على أنها خطأ حتى في الصورة الثانية(النسخة النهائية) مثل: (تغذيه) وقد كتبت(تغذية)، (باعثة) وقد كتبت (باعثه)، (أفكارا) وقد كتبت(افكارا)، (أحاسيس) وقد كتبت(احاسيس)، (اندهاشا) وقد كتبت(اندهاشه).

التجربة الثانية، أبيات من ديوان المتنبي.
وهذه أبيات ثلاثة من ديوان المتنبي من قصيدة(رويدك أيها الملك الجليل) )[23](
إِذا اِعتادَ الفَتى خَوضَ المَنايا           فَأَهوَنُ ما يَمُرُّ بِهِ الوُحولُ
وَمَن أَمَرَ الحُصونَ فَما عَصَتهُ          أَطاعَتهُ الحُزونَةُ وَالسُهولُ
أَتَخفِرُ كُلَّ مَن رَمَتِ اللَيالي              وَتُنشِرُ كُلَّ مَن دَفَنَ الخُمولُ

الهدف من النموذج الثاني هو معرفة تعامل تطبيق جوجل للكتابة الصوتية مع الشعر العربي القديم، وقد كتب التطبيق النص بشكل سليم  بنسبة عالية من حيث صحة الحروف، باستثناء بعض الكلمات مثل: (أَتَخفِرُ) وقد كتبت (أتغفر). وفي الصورة الأولى وضع التطبيق خطا تحت الكلمات التي قدم لها تصويبات، مثل الهمزات، والتاء والهاء. والملاحظ أيضا أنه لم يتعرف على أن هذا نص شعري حتى بطريقة الإلقاء، ولم يضبط الكلمات بالحركات.

     إذن، فهذا التطبيق الرائع من جوجل هو أحد الأدوات الهامة التي نحتاجها في الكتابة في هذا العصر الذي يمتاز بالسرعة، سواء في كتابة الرسائل النصية، أو في المقالات، أو في التقارير وغيرها من أشكال الكتاب المتعددة. لكنه بحاجة إلى بعض التعديلات المهمة لتحسين جودة الكتابة، ومن أهمها ما يلي:

 زيادة عدد النصوص المدرجة في التطبيق، وربط هذه النصوص بكلام المتكلم، ولتوضيح ذلك ما حصل في التجربة الثانية فيتوقع مستقبلا أن يكتب التطبيق كل الكلمات بصورة صحيحة؛ لأنه ومن خلال قاعدة البيانات لديه فإنه يتوقع أن المتحدث عندما يبدأ بالشطر الأول فهو غالبا سوف يسرد قصيدة المتنبي، لذلك تكون الكلمات مقترحة من التطبيق لأنها محفوظة لديه، أو حتى لو تم نطقها بصورة خاطئة فإنه يقدم مقترحا صحيحا بناء على قصيدة المتنبي الموجودة في الكم الهائل من البيانات.
تحسين تجربة التطبيق في سماع الأصوات وتعددها، ومدى حساسيته في عملية تحليل الصوت.

الخاتمة

      إن الناظر في واقع اللغة العربية ورهانات مستقبلها يجده واضح الارتباط بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتعددة التي تعمل على حوسبة اللغة اللغة العربية، فصار التعامل مع الوضع الراهن المرتبط بغزو الذكاء الاصطناعي لجميع مجالات الحياة ومنها اللغة أمر لا بد منه. وقد استطاعت العربية بفضل أهلها والقائمين على خدمتها من الاستفادة من هذا المجال في حوسبة كل مستوياتها بتباين بينها، فقد تخدم هذه التكنولوجيا مستويات أكثر من غيرها، كالكتابة على سبيل المثال، من خلال الاهتمام بالمستوى النحوي والدلالي والخطي وغيرها من القضايا التي تخدم إنتاج نص مكتوب بجودة مرضية. وهناك مستويات عديدة مثل الدلالي، وضبط المدونة العربية، وقضايا الترجمة ما زالت بحاجة إلى الاهتمام بها وتطويرها بشكل أفضل.

      ومن خلال دراسة التطبيقات السابقة في الورقة البحثية نجد أن هناك جهدا عربيا مبذولا في خدمتها، والحق يقال إن مثل هذه المحاولات والتطبيقات العربية تثلج الصدر، على الرغم من أننا متأخرون، وما زلنا بحاجة إلى قطع شوط طويل للصول إلى محتوى حقيقي مقارب لما وصلت إليه اللغة الإنجليزية. ومما يلفت النظر أن هذه التطبيقات في حالة تطور مستمر، وتستفيد من التغذية الراجعة المقدمة من المستخدمين.

     ونحن بحاجة إلى عمل تعاوني جماعي على مستوى الوطن العربي، يكون برعاية مؤسسات رسمية حكومية، وإلى تدخل مجامع اللغة العربية، للوصول إلى مستوى مرض من خلال:

زيادة المحتوى العربي على الإنترنت، وهذا يتطلب تفعيل دور الجامعات والمؤسسات البحثية، والصحافة، والإعلام. وأهمية ذلك تكمن في خلق قاعدة بيانات كبيرة جدا تتكئ عليها خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
تخصيص ميزانية كبيرة للشركات التكنولوجية، ولا سيما العالمية لتفعيل دور (الروبوتات) بالعربية، لأن المستقبل يتجه الآن نحوها.
الاستفادة من تجارب الآخرين، وتدريسها في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية.
تغيير خطط برامج دراسات اللغة العربية، فلا بد من أن يتنبه طالب قسم  اللغة العربية إلى وجود مساقات حاسوبية يستطيع أن يخدم من خلالها اللغة العربية، وألا تبقى خطط العديد من أقسام اللغة العربية في الجامعات مقتصرة على المواد المدرسة باستمرار، كالأدب الجاهلي، والأموي، والنحو والصرف، وغيرها من المساقات، فصار لزما أن يدرس الطالب بعض المساقات في كلية تكنولوجيا المعلومات، وهذه المساقات تكون مصممة بطريقة تدمج علوم اللغة بعلوم الحاسوب.

([1]) (أبو عادل، محمد، استثمار الذكاء الاصطناعي في تعلم اللغة العربية، مجلة تعليم اللغة العربية، أندونيسيا، 2022)

([2]) (Buchanan, Bruce, A (Very) Brief History of Artificial Intelligence)

([3]) (ابن خلدون، 212)

([4]) ( https://w3techs.com)

([5]) (Crystal, David: Internet Linguistics : A student Guide, Routledge, London,2011)

([6]) (الموسى نهاد، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000).

([7]) (وجدان محمد صالح كنالي، اللسانيات الحاسوبية العربية، الإطار و المنهج المؤتمر الدولي الثاني للغة العربية 07-10ماي 2013، دبي ص 09.)

([8]) (Buchanan, Bruce, 2005, “A (Very) Brief History of Artificial Intelligence”, in AI Magazine. V 26, n°4, pp 53-60.)

([9]) ( Castelli, Mauro, Special Issue: Generative Models in Artificial Intelligence and Their Applications, Applied sciences journal, 20222.).

([10]) (رشوان محسن، والسعيد المعتز بالله وآخرين: المعالجة الآلية للنصوص العربية، الرياض، منشورات مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، 2019.).

([11]) …( راغب أحمد، مقدمة في حوسبة اللغة العربية، الرياض، منشورات مركز الدلك عبد الله بن عبد العزيز الدولي .2019 )

([12]) ( خليفة بن الهادي الميساوي، الذكاء الاصطناعي وحوسبة اللغة العربية: الواقع والآفاق، مجلة مجلة “مدارات في اللّغة والأدب” الصادرة عن مركز مدارات للدراسات والأبحاث، تبسة-الجزائر،2021.)

([13]) ( https://w3techs.com)

([14]) (Faltah, A., & Zerrougui, R. (2020): The role of artificial intelligence in improving the quality of higher education. The Arab Journal of Specific Education, (4) p12.)

([15]) (Al Obaidi, N. (2021). The Effect of Using Google Applications on Developing Reading and Writing Skills and Acquisition of Grammatical Concepts Among Students of The Native Arabic Language in Middle School in Sweden. Scientific Journal of Educational Sciences and Psychological Health, 3(2), 146-147. http://search.shamaa.org/FullRecord?ID=283890).

([16]) (https://www.bravobravoapp.com/).

([17])  (Abdelghani, B. (2021). Uses Of Communicative and Collaborative Activities in E-Learning: Moodle Platform as A Model. Journal of Arabic Learning, 4(2), 246. http://ejournal.uin-malang.ac.id/index.php/ijazarabi)

([18] ) (Badia, A., Martín, D., & Gómez, M. (2019). Teachers’ Perceptions of the Use of Moodle Activities and Their Learning Impact in Secondary Education. Technology, Knowledge, and Learning, 24(3), 484. https://doi.org/10.1007/s10758-018-9354-3).

([19]) (https://docs.qalam.ai)

([20]) (https://docs.qalam.ai)

([21]) (https://docs.qalam.ai)

([22]) (Sharma, Marut DevApplication of Artificial Intelligence for Voice Recognition, Publisher: Notion press, Chennai, India.Feb 2023)

([23]) (المتنبي، أحمد بن الحسين، ديوان المتنبي، دار صادر، بيروت)

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى