مقالات في اللسانيات

صناعة المعجم والحقول الدلالية

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

نعني بالحقل الدلالي مجموعة من الكلمات المتقاربة التي تتميّز بوجود عناصر أو ملامح دلالية مشتركة، وبذلك تكتسب الكلمة معناها من علاقاتها بالألفاظ الأخرى التي تشترك معها في الحقل الدلالي نفسه، لأنَّ اللفظة لا يتحدد معناها الدقيق بمعزل عن حقلها الدلالي، بل نحتاج إلى النظر إليها مع أقرب الألفاظ إليها في إطار مجموعة واحدة. مثل حقل (لون) يندرج تحته أحمر أخضر أصفر …
لقد نبهت نظرية الحقول الدلالية علماء اللغة إلى وضع معاجم مرتبة حسب المعاني والمفاهيم الدلالية المختلفة، وقد سبق العرب الغربيين إلى فكرة ترتيب مادة المعجم في شكل حقول معجمية، بل إن بداية جمع المادة اللغوية عند اللغويين العرب كان في صورة رسائل ترصد كلمات حقل معين، وقد سبقت هذه المنهجية في ترتيب المداخل تلك المعاجم التي ظهرت مرتبة صوتيا أو ألفبائيا، ومن هذه الرسائل اللغوية: كتاب الخيل، وكتاب خلق الإنسان، كتاب الإبل، كتاب الحشرات. ثم ظهرت بعد ذلك معاجم مرتبة حسب المعاني منها: الغريب المصنف لأبي عبيد، وفقه اللغة للثعالبي، والمخصص لابن سيده.
كما أن المعجم الذي يحتفظ به كل الإنسان في ذاكرته مرتب حسب الحقول الدلالية: نباتات، ألوان، مهن، أمراض، حيوانات …إلخ. وكل حقل يضم مجموعة من الكلمات ترتبط فيما بينها بعلاقات دلالية معينة: كالتضاد، والترادف، والتكامل … إلخ
تكمن أهمّ الخدمات التي تقدمها نظرية الحقول الدلالية للصناعة المعجمية فيما يأتي:
1- جمع مداخل المعجم والإحاطة بها
إنّ أهمّ ما تميّزت به طرق جمع المادة المعجمية الغربية هو إحاطتها بألفاظ الحضارة والمصطلحات العلمية وذلك نظرا لاعتمادها على نظرية الحقول الدلالية حيث يتمّ في ضوء هذه النظرية تجميع المفردات داخل حقولها الدلالية لجميع المجالات، مما يسهل الوقوف على أهم ثغرات المادة المعجمية التي ربما أغفلها صانعو المعجم، وكلّ ذلك من شأنه أن يغني المعجم ويثريه. فنظرية الحقول الدلالية ذات فائدة كبيرة في الكشف عن فجوات الألفاظ والدلالات التي تفتقر إليها المعاجم. وقد أغفل المعجم العربي الحديث الاعتماد على هذه النظرية؛ فكانت فجوات كبيرة في مادته ودلالاته؛ فالمعجم الوسيط مثلا أغفل الكثير من ألفاظ المعلوماتية والاتصالات ومنها على سبيل المثال:
شبكة الاتصال، القُرص القابل للإزالة، البريد الإلكتروني، المعلوماتية، الحاسوب أو الكمبيوتر، برامج الحاسوب، بَرمجة، تحليل النُّظم، بَرمَجِيات، القُرص المَحلّي.
2- شرح المداخل:
يعتبر شرح المداخل في حال توافر كلمات الحقل الدلالي الواحد أنجح طريقة توصّلت إليها الصناعة المعجمية الحديثة ؛ إذ يسهل تعريف جميع المداخل حتى تلك التي يصعب شرحها وتوضيح معناها.
فتقدم لنا نظرية الحقول الدلالية خدمة عظيمة تتمثل تحديد العلاقات الدقيقة بين ألفاظ الحقل الدلالي الواحد من جهة، وبينها وبين ألفاظ الحقول الدلالية الأخرى من جهة ثانية، وذلك بهدف توضيح ما يوجد بين تلك الألفاظ من اختلاف أو تشابه، الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من التعدّد الدلالي في تعريفات مداخل المعجم.
وبفضل التقدم الحاسوبي والعلمي في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين أصبحت الإفادة من الحاسوب الآلي في الصناعة المعجمية من أكبر اهتمامات اللسانيات الحاسوبية فأضحى يقدم للمعجميين صورة كاملة لألفاظ اللغة ودلالات تلك الألفاظ عبر القرون، لاسيما المعجمات التاريخية التي تهتم بتدوين كلّ ألفاظ اللغة ودلالاتها الخاصة في مراحل تطورها المختلفة، مع الاستفادة من المدونات اللغوية المحوسبة.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى