مقالات في اللسانيات الحاسوبية

التغيرات الصوتية في اللغة العربية

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

يتألف النظام الصوتي في اللغة العربية من ستة وعشرين صامتًا، ومن وحدتين صوتيتين تُسميان نصف صائت هما (الواو والياء) ومن ثلاثة صوائت طويلة، هي: الألف (فتحة طويلة) والياء (كسرة طويلة) والواو (ضمة طويلة) يقابلها ثلاثة صوائت قصيرة، هي (الفتحة والكسرة والضمة).

ونعني بالتغيرات الصوتية كل ما يصيب الكلمة أو يلحق بها من تبدّل، أو اختلاف في أصواتها، بين تركيب (تسلسل) لغوي سابق، وآخر لاحق أي في درج الكلام. وهذا التبدّل، أو الاختلاف يأتي عادة “نتيجة تأثير عوامل من داخل الكلمة ناجمة عن تفاعل الأصوات مع بعضها، وأخرى من خارجها ناتجة عن تجاور الكلمات (الأفعال) مع الضمائر، مما ينعكس على الأصوات حذفًا أو إبدالًا أو إعلالًا أو إدغامًا”[1].

لقد عزا علماء اللغة القدماء والمحدثون التغيرات الصوتية التي تصيب الأفعال عند إسنادها إلى الضمائر إلى قانون السهولة والتيسير، “فالأصوات اللغوية يؤثر بعضها في بعض أثناء الأداء؛ نتيجة ميل الإنسان بطبيعته إلى التيسير، والتسهيل، واختصار الجهد العضلي الذي يبذله حين النطق، فيلجأ إلى تغيير بعض الأصوات بأصوات أخرى، ويكون ذلك أيسر في النطق، وأكثر تآلفًا مع الأصوات الواردة لها، ليحصل الانسجام الصوتي أثناء الأداء”[2]. وقد أرجع علي عبد الواحد التغيرات الصوتية إلى ثلاثة أسباب هي:

1- التفاعل بين أصوات الفعل الواحد.

2- موقع الصوت في الفعل.

3- تبادل الأصوات، وحلول بعضها مكان بعض[3].

وقد قسَّم علماء اللغة المحدثون التغيرات الصوتية التي تلحق بالكلمات إلى قسمين:

1- تغيرات تاريخية: “تبحث في اللغات الأم، والتحول الذي يصيب أصواتها خلال الحقب الزمنية الطويلة، التي تمر فيها”[4].

2- تغيرات تركيبية: تحدث في تركيب الكلمة عندما تتغير بعض أصواتها، فقد تُحذف بعض الأصوات في كلمة ما، وتعود للظهور في صورة مخالفة في كلمة أخرى، وقد تُقلبُ إلى صوت مخالف، وتعود إلى أصلها في سياق مخالف. فعند إسناد الفعل الماضي الأجوف اليائي على وزن (فَعَلَ) مثل (باعَ) إلى ضمير تاء الفاعل (تُ) تُحذف الألف، فنقول: (بِعْتُ) بينما تعود الألف إلى أصلها عند بناء الفعل الماضي للمجهول، وإسناده إلى (واو الجماعة) فنقول: (بِيعُوا) وقد حدد علماء اللغة القدماء الأسباب الموجبة لحدوث التغيرات الصوتية التركيبية، فتحدثوا عن (الإعلال والإبدال والحذف والزيادة والإدغام).

أنواع التغيرات الصوتية:

1- التغير بالإبدال: وهو جعل حرف مكان حرف آخر، فنضع الحرف المبدل مكان الحرف المبدل منه. ويشبه الإبدال الإعلال، غير أن الإعلال يصيب حروف العلة فقط. ومن أمثلة الإبدال، إبدال (تاء) الأفعال التي على وزن (اِفْتَعَلَ) طاءً، عندما تكون (فاء) الفعل (صادًا أو ضادًا أو طاءً أو ظاءً، نحو: (اِضْطَجَعَ) فأصلها (اِضْتَجَعَ).

2- التغير بالإعلال: وهو قلب (الواو والياء والألف) أو حذفه أو تسكينه. فالألف في الأفعال -حسب وصف علماء اللغة القدماء[5]– لا تكون أصلية، وإنَّما منقلبة عن واو أو ياء، إذا تحركتْ وكان ما قبلها مفتوحًا، مثل: ( عادَ يَعودُ) و (باعَ يَبيعُ) كما تُقلب ياءً إذا جاءت ساكنة بعد حرف مكسور، نحو: (عِيْدَ) الفعل الماضي المبني للمجهول من (عادَ يَعودُ) أو جاءتْ متطرفة بعد حرف مكسور، كما في (رَضِيَ) من باب (فَعِلَ) وأصله (رَضِوَ).

وتُحذف حروف المد في الفعل المجرد الثلاثي، إذا سَكَنَ ما بعدها، نحو: (عُدْ) وأصلها (عُودْ) و(نَمْ) وأصلها (نامْ) و(بِعْ) وأصلها (بِيعْ). كما تُحذف الواو في الفعل المضارع الثلاثي المثال المبني للمعلوم، نحو: (يقِفُ) فأصلها (يَوْقِفُ) وفي الأمر نحو: (قِفْ) من (وَقَفَ). كما تُحذف الألف من الفعل الماضي الناقص إذا اتصل الفعل بتاء التأنيث، نحو: (رَمَتْ) من (رَمى).

ويكون الإعلال بتسكين الواو إذا وقعت في نهاية الفعل، وكان الحرف الذي قبلها مضمومًا، نحو: (يَدْعو) فأصلها (يَدْعُوُ)، ويكون تسكين الياء إذا انتهى الفعل بها، وجاء ما قبلها مكسورًا، نحو: (يَرْمِي).

ويكون الإعلال كذلك بنقل حركة حرف العلة إلى الحرف الذي قبلها، وذلك مثل: (أَقُوْلُ) وأصلها (أَقْوُلُ) فَنُقِلَتْ حركة حرف العلة (الواو) إلى (القاف) لصعوبة نطق الضمة مع الواو.

ويمكننا تقسيم الأفعال المعتلة إلى صنفين:[6]

1- الأفعال ذات العلة الواحدة، وهي المضعّف، والمثال الواوي أو اليائي، والناقص الواوي أو اليائي، والمهموز (الفاء والعين واللام).

2- الأفعال ذات العلتين، وليست لها أهمية كُبرى من الناحية الكمّية؛ إذ إنها تُعدُّ بالعشرات، وفي أغلب الأحيان تتغلب إحدى العلتين على الأخرى؛ إذا كان مكانها أهم من ناحية قابليتها للتغير، وهي: المثال المهموز، والأجوف المهموز، والناقص المهموز، واللفيف المقرون، واللفيف المفروق.

3- التغير بالإدغام: ونعني بالإدغام هنا أنْ “تصل حرفًا ساكنًا بحرف مثله متحرك، من غير أن تصل بينهما بحركة أو وقف، فيصيران لشدَّةِ اتصالهما كحرف واحد”[7]. ويأتي الإدغام مشتركًا بين الفعل الثلاثي وبعض ضمائر الرفع؛ كإدغام النون بالنون، عند إسناد الفعل الماضي الثلاثي المنتهي بحرف النون إلى (نا الفاعلين) نحو: (سكنّا) فأصلها (سكن+نا).ويهدف المتكلم من إدغام الصوتين إلى “اختصار الجهد العضلي الذي يبذله عند النطق بحرف واحد مرتين دون إدغام، وهذا فيه ثقل على اللسان، لذلك لجأ إلى الإدغام؛ طلبًا للتخفيف والسهولة في النطق”[8].

لقد جانب علماء اللغة القدماء الصواب، عندما ربطوا في دراستهم النظام الصرفي في اللغة العربية بين الصرف والكتابة؛ “فتداخل بذلك ما هو من اهتمامات قواعد الإملاء، فيما هو من ظواهر النطق، فنظام الكتابة في اللغة العربية لا يكاد يؤدي أكثر من نصف الواقع اللغوي الملفوظ؛ حيث يستغني -مثلًا- عن جزء مهم من الأصوات المنطوقة، وهو الحركات، كما أنَّه لم يضع رمزًا مستقلًا لكل صوت يُنطق في اللسان العربي، بل جعل للرمز الواحد -أحيانًا- قيمتين صوتيتين؛ فللواو في (وَعَدَ) و(يَقولُ) رمز واحد، وللياء في (يَبسَ) و(يَبيعُ) رمز واحد، مع اختلاف قيمتهما الصوتية والصرفية”[9]. ومع ذلك فإنَّه لا مناص لنا من التمسك بنظام الكتابة في اللغة العربية، فلغتنا هي تاريخنا، وثقافتنا، والقرآن الكريم نزل باللغة العربية، قال تعالى:”إنّا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون” يوسف(2).

[1] سامي عوض، صلاح الدين سعيد حسين، التغيرات الصوتية وقوانينها، المفهوم والمصطلح، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد (31) ، العدد (1) 2009م، ص13.

[2] محمد رضا شوشة، التغيرات الصوتية في القراءات القرآنية، رسالة ماجستير، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، الجزائر، 2013-2014م، ص10.

[3] ينظر: علي عبد الواحد، اللغة والمجتمع، دار إحياء الكتب العربية، ط2، ص69-83.

[4] سامي عوض، صلاح الدين سعيد حسين، التغيرات الصوتية وقوانينها، المفهوم والمصطلح، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد (31) ، العدد (1) 2009م، ص135

[5]سيستفيد الباحث من جهود العلماء القدماء والمحدثين لبناء أنظمة حاسوبية تتعرف على التغيرات الصوتية، وتعالجها.

[6] يُنظر الطَّيِّب البكوش، التصريف العربي من خلال علم الأصوات الحديث، تونس، المطبعة العربية، ط3، 1992م ، ص177

[7] ابن يعيش ، شرح المفصل، إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة، د ت، نسخة رقمية مطابقة للنسخة الورقية، 10/121.

[8] سميرة بن موسى، ملامح الصوتيات التركيبية عند ابن جني من خلال كتبه: الخصائص وسر صناعة الإعراب، والمنصف، ماجستير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، كلية الآداب، واللغات، 2011-2012م ، ص125.

[9] يُنظر: عبدالصبور شاهين، المنهج الصوتي للبنية العربية، رؤية جديدة في الصرف العربي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1980م، ص10-18.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى